فصل: ملطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 مالطة

جزيرة بقرب جزيرة الأندلس عظيمة الخيرات كثيرة البركات طولها نحو ثلاثين ميلاً وهي آهلة وبها مدن وقرى وأشجار وأثمار غزاها الروم بعد الأربعين والأربعمائة‏.‏

حاربوهم وطلبوا منهم الأموال والنساء فاجتمع المسلمون وعدوا أنفسهم وكان عدد عبيدهم أكثر من عدد الأحرار فقالوا لعبيدهم‏:‏ حاربوا معنا فإن ظفرتم فأنتم أحرار وما لنا لكم وإن توانيتم قتلنا وقتلتم‏!‏ فلما وافى الروم حملوا عليهم حملة رجل واحد ونصرهم الله فهزموهم وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً ولحق العبيد بالأحرار واشتدت شوكتهم فلم تغزهم الروم بعد ذلك أبداً‏.‏

ينسب إليها ابن السمنطي الشاعر المالطي‏.‏

كان آية في نظم الشعر على البديهة قال أبو القاسم بن رمضان المالطي‏:‏ اتخذ بعض المهندسين بمالطة لملكها صورة تعرف بها أوقات ساعات النهار وكانت ترمي بنادق على الصناج فقلت لعبد الله ابن السمنطي‏:‏ اجز هذا المصراع‏:‏ جارية ترمي الضنج فقال‏:‏ بها القلوب تبتهج كأن من أحكمها إلى السّماء قد عرج وطالع الأفلاك عن سرّ البروج والدّرج كأنه يقرأها من حفظه‏.‏

ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون‏.‏

من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً‏.‏

وليس بها موضع خال عن العمارة من مدينة أو قرى أو مزارع أو مراع‏.‏

هواؤها أصح الأهوية ومياهها أعذب المياه وأخفها والمياه العذبة عمت جميع جبالها وضواحيها وترابها أطيب الأتربة وبلادها بخارى وسمرقند وجند وخجند‏.‏

وأهلها أهل الخير والصلاح في الدين والعلم والسماحة فإن الناس في أكثر ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة وما ينزل أحد بأحد إلا كأنه نزل بدار نفسه من غريب وبلدي‏.‏

وهمة كل امريء منهم على الجود والسماح فيما ملكت يده من غير سابقة معرفة أو توقع مكافأة‏.‏

حكى الاصطخري انه نزل منزلاً بالصغد فرأى داراً ضربت الأوتاد على بابها فقالوا‏:‏ إن ذلك الباب لم يغلق منذ زيادة على مائة سنة ولم يمنع من دخوله واصل ليلاً ولا نهاراً‏!‏ والغالب عليهم بناء الرباطات وعمارة الطرق والوقف على سبيل الجهاد وأهل العلم وليس بها قرية ولا منهل ولا مفازة إلا وبها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه‏.‏

وقال‏:‏ بلغني أن بما وراء النهر أكثر من عشرة آلاف رباط في أكثرها إذا نزل الناس به طعام لهم وعلف لدوابهم إن احتاجوا‏.‏

وجميع ما وراء النهر ثغر من حدود خوارزم إلى اسبيجاب وهناك الترك الغزية من اسبيجاب إلى فرغانة الترك الخلخية ولم يزل ما وراء النهر على هذه الصفة إلى أن ملكها خوارزم شاه محمد بن تكش سنة ستمائة وطرد الخطاة عنها وقتل ملوك ما وراء النهر المعروفين بالخانية وكان في كل قطر ملك يحفظ جانبه فلما استولى على جميع النواحي عجز عن ضبطها فسلط عليها عساكره حتى نهبوها وأجلى الناس عنها فبقيت تلك الديار التي وصفت بالجنان لحسنها خاوية على عروشها ومياهها مندفقة معطلة وقد ورد عقيب ذلك عساكر التتر في سنة سبع عشرة وستمائة وخربوا بقاياها‏.‏

والآن بقي بعض ما كان عليها‏.‏

فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال وكل شيء سواه يتغير من حال إلى حال‏!‏ مدينة النحاس ويقال لها أيضاً مدينة الصفر‏.‏

لها قصة عجيبة مخالفة للعادة جداً ولكني رأيت جماعة كتبوها في كتب معدودة كتبتها أيضاً ومع ذلك فإنها مدينة مشهورة الذكر‏.‏

قال ابن الفقيه‏:‏ ذهب العلماء الأقدمون إلى أن مدينة النحاس بناها ذو القرنين وأودعها كنوزه وطلسمها فلا يقف عليها أحد وجعل في داخلها حجر البهتة وهو مغناطيس الناس فإن الإنسان إذا وقف حذاءه جذبه كما يجذب المغناطيس الحديد ولا ينفصل عنه حتى يموت وانه في مفاوز الأندلس‏.‏

ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبر مدينة النحاس وخبر ما فيها من الكنوز وان إلى جانبها بحيرة فيها كنوز كثيرة وأموال عظيمة كتب إلى موسى بن نصير عامل المغرب وأمره بالمصير إليه والحرص على دخولها وان يعرفه حالها ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك فحمله إلى موسى وهو بالقيروان فلما قرأه تجهز وسار في ألف فارس نحوها فلما رجع كتب إلى عبد الملك‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

أصلح الله الأمير صلاحاً يبلغ به خير الدنيا والآخرة‏.‏

أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت لأربعة أشهر وسرت في مفاوز الأندلس ومعي ألف رجل حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار وانقطعت عنها الأخبار فسرت ثلاثة وأربعين يوماً أحاول مدينة لم ير الراؤون مثلها ولم يسمع السامعون بنظيرها‏.‏

فلاح لنا بريق شرفها من مسيرة ثلاثة أيام فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رعباً من عظمها وبعد أقطارها‏.‏

فلما قربنا منها إذا أمرها عجيب ومنظرها هائل فنزلنا عند ركنها الشرقي ثم وجهت رجلاً من أصحابي في مائة فارس وأمرته أن يدور حول سورها ليعرف بابها فغاب عنا يومين ثم وافى اليوم الثالث فأخبرني انه ما وجد لها باباً ولا أرى إليها مسلكاً فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لأنظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه فأمرت عند ذلك باتخاذ السلالم وشد بعضها إلى بعض بالحبال ونصبتها إلى الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبر ما فيها عشرة آلاف درهم فانتدب لذلك رجل من أصحابي يتسنم ويقرأ ويتعوذ‏.‏

فلما صار على سورها وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكاً ونزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما فيها وبما رأيته فلم يجبنا‏.‏

فجعلت لمن يصعد ويأتيني بخبر ما فيها وخبر الرجل ألف دينار فانتدب رجل من حمير وأخذ الدنانير ثم صعد‏.‏

فلما استوى على السور قهقه ضاحكاً ثم نزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما ترى فلم يجبنا‏.‏

فصعد ثالث وكان حاله مثل حال الرجلين فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود فلما أيست عنها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة فانتهيت إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت‏:‏ ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن يرجو الخلود وما حيٌّ بمخلود‏!‏ لو انّ حيّاً ينال الخلد في مهلٍ لنال ذاك سليمان بن داود سالت له العين عين القطر فائضةً فيه عطاءٌ جزيلٌ غير مصرود وقال للجنّ أنشوا فيه لي أثراً يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيّروه صفاحاً ثمّ ميل به إلى البناء بإحكامٍ وتجويد وأفرغوا القطر فوق السّور منحدراً فصار صلباً شديداً مثل صيخود وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبةً وسوف تظهر يوماً غير محدود لم يبق من بعدها في الأرض سابغةً حتى تضمّن رمساً بطن أخدود هذا ليعلم أنّ الملك منقطعٌ إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود قال‏:‏ ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل كثيرة الأموج فإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أنا رجل من الجن‏!‏ كان سليمان بن داود حبسه والذي في هذه البحيرة‏.‏

فأتيته لأنظر ما حاله قلنا له‏:‏ فما بالك قائماً فوق الماء قال‏:‏ سمعت صوتاً فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرةً وهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياماً ويهلل الله ويمجده‏.‏

قلنا‏:‏ من تظنه قال‏:‏ أظنه الخضر عليه السلام‏.‏

فغاب عنا فلم ندر كيف أخذ‏.‏

قال‏:‏ وكنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاصوا في الماء فرأوا حباً من صفر مطبقاً رأسه مختوماً برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رحل من صفر على فرس بيده رمح مطرد من صفر فطار في الهواء وهو يقول‏:‏ يا نبي الله لا أعود‏!‏ ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل هذا فضجوا خوفاً من قطع الزاد‏.‏

فأخذت الطريق التي سلكتها أولاً حتى عدت إلى قيروان والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلم له جنوده والسلام‏.‏

قال‏:‏ فلما قرأ عبد الملك كتاب موسى وكان عنده الزهري قال له‏:‏ ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور قال الزهري‏:‏ يا أمير المؤمنين لأن لتلك المدينة جناً قد وكلوا بها‏!‏ قال‏:‏ فمن أولئك الذين يخرجون من الحباب ويطيرون قال‏:‏ أولئك مردة الجن الذين حبسهم سليمان بن داود عليه السلام في البحار هذا ما رواه ابن الفقيه‏.‏

وقال أبو حامد الأندلسي‏:‏ دور مدينة النحاس أربعون فرسخاً وعلو سورها خمسمائة ذراع فيما يقال‏.‏

ولها كتاب مشهور في كتابها أن ذا القرنين بناها والصحيح أن سليمان بن داود عليه السلام بناها‏.‏

وليس لها باب ظاهر وأساسها راسخ وان موسى بن نصير وصل إليها في جنوده وبنى إلى جانب السور بناء عالياً متصلاً به وجعل عليه سلماً من الخشب متصلاً بأعلى السور وندب إليه من أعطاه مالاً كثيراً‏.‏

وأن ذلك الرجل لما رأى داخل المدينة ضحك وألقى نفسه في داخل المدينة وسمعوا من داخل المدينة أصواتاً هائلة ثم ندب إليه آخر وأعطاه مالاً كثيراً وأخذ عليه العهد أن لا يدخل المدينة ويخبرهم بما يرى فلما صعد وعاين المدينة ضحك وألقى نفسه فيها وسمعوا من داخلها أصواتاً هائلة أيضاً ثم ندب إليه رجلاً شجاعاً وشد في وسطه حبلاً قويا فلما عاين المدينة ألقى نفسه فيها فجذبوه حتى انقطع الرجل من وسطه‏.‏

فعلم أن في المدينة جناً يجرون من علا على السور فأيسوا منها وتركوها‏.‏

وذكر أبو حامد الأندلسي في وصف مدينة النحاس قصيدة منها‏:‏ وتقبّل الملكوت ربعي حيث ما فلك البروج يجرّ في سجداته والرّيح يحمله الرّخاء فإنّما شهرين مطلعها إلى روحاته كالطّود مبهمةً بأسٍّ راسخٍ أعيا البريّة من جميع جهاته والقطر سال بها فصاغ مدينةً عجباً يحار الوهم دون صفاته حصن النّحاس أحاط من جنباتها وعلى غلوّ السّهم في غلواته فيها ذخائره وجلّ كنوزه والله يكلأها إلى ميقاته في الأرض آياتٌ فلا تك منكراً فعجائب الأشياء من آياته مراغة مدينة كبيرة مشهورة من بلاد آذربيجان قصبتها‏.‏

وهي كثيرة الأهل عظيمة القدر غزيرة الأنهار كثيرة الأشجار وافرة الثمار‏.‏

بها آثار قديمة للمجوس ومدارس وخانقاهات حسنة‏.‏

حدثني بعض أهلها أن بها بستاناً يسمى قيامتاباذ فرسخ في فرسخ وأن أربابه لا يقدرون على تحصيل ثمرتها من الكثرة فتتناثر من الأشجار‏.‏

وبقرب قيامتاباذ جمة يفور الماء الحار عنها يأتيها أصحاب العاهات يستحمون بها وتنفعهم‏.‏

وهي عيون عدة أكثر ما يأتيها الزمنى والجربى‏.‏

فإذا انفصل هذا الماء عن الجمة ويجري على وجه الأرض يصير حجراً صلداً‏.‏وخارج المدينة غار يدخله الإنسان يرى فيه شبه البيوت والغرف فإذا أمعن يرى فيه شيئاً صليباً لا يقرب منه أحد إلا هلك يزعمون أنه طلسم على كنز والله أعلم‏.‏

وبها جبل زنجقان وهو جبل بقرب مراغة به عين ماء عذب يعجن به الدقيق فيربو كثيراً ويحسن خبزه والخبازون يخمرون أدقتهم به ويصير هذا الماء حجراً ينعقد منه صخور ضخام يستعملها الناس في أبنيتهم‏.‏

ومن مفاخرها القاضي صدر الدين المعروف بالجود والكرم وفنون الخيرات وصنوف المبرات من خيراته سور مدينة قزوين الذي عجز عن مثله أعظم ملوك زماننا فإنه بنى أبواب المدينة بالآجر في غاية العلو وبقية السور بالطين وشرفاتها بالآجر والمدينة في غاية السعة‏.‏

وحكي أنه أراد أن يتخذ لنفسه قبراً بقرب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى أمير المدينة وأعلمه ذلك فشرط أن يبعث إليه ملء جراب ذهباً‏.‏

فقال القاضي‏:‏ ابعث إلي الجراب حتى أملأه ذهباً‏!‏ فلما رأى أمير المدينة كبر همته وسماحة نفسه بعث إليه اذن عناق ومكنه من ذلك‏.‏

فلما توفي دفن في المدينة وموضع رأسه قريب من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحكى الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان من الابدال في كتاب صنفه في كراماته وعجائب حالاته قال‏:‏ رأيت فوجاً من الملائكة لا يدرك عددهم ومعهم تحف وهدايا فسألت‏:‏ إلى من هذه الهدايا قالوا‏:‏ إلى قاضي مراغة‏.‏

قلت‏:‏ ما هو إلا عبد مكرم‏!‏ قالوا‏:‏ ان هذه له لكرامته رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

 مربيطر

مدينة بالأندلس بقرب بلنسية قال صاحب معجم البلدان‏:‏ إن فيها الملعب ذا العجائب لست أعرف كيف يكون ذلك وذاك أن الإنسان إذا نزل فيه صعد وإذا صعد عليه نزل إن صح ذلك فإنه ذو العجائب جداً‏.‏

المستطيلة قال أبو القاسم الجهاني‏:‏ إنها بلاد بأرض الروم على ساحل البحر‏.‏

المطر بها دائم صيفاً وشتاء بحيث أهلها لا يقدرون على دياس بيادرهم وإنما يجمعونها في السنابل ويفركونها في بيوتهم‏.‏

بها بزاة كثيرة عدد الغربان عند غيرهم لكنها ضعيفة رخوة لا تقدر على أخذ الدجاج وأمثالها‏.‏

المصيصة مدينة بأرض الروم على ساحل جيحان‏.‏

كانت من ثغور الإسلام وهي الآن بيد أولاد ليون سميت بالمصيصة بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام قال المهلبي‏:‏ من خاصية هذه المدينة الفراء المصيصية التي لا يتولد فيها القمل وإذا غسلتها لم تتغير عن حالها وتحمل إلى سائر البلدان وربما بلغت قيمة الفروة منها ثلاثين ديناراً‏.‏

 ملطية

مدينة بأرض الروم مشهورة‏.‏بها جبل فيه عين حدثني بعض التجار أن هذه العين يخرج منها ماء عذب ضارب إلى البياض يشربه الإنسان لا يضره شيئاً فإذا جرى مسافة يسيرة يصير حجراً صلداً‏.‏

 موغان

ولاية واسعة بها قرى ومروج بآذربيجان على يمين القاصد من اردبيل إلى تبريز وهي جروم وآذربيجان كلها صرود كانت منازل التركمان لسعة رفغها وكثرة عشبها والآن اتخذها التتر مشتاة وجلا عنها تركمانها قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ رأيت بها قلعة عظيمة لها رساتيق كثيرة وقد هرب عنها أهلها لكثرة ما بها من الثعابين والحيات وقال‏:‏ رأيت عند اجتيازي بها شجاعاً عظيماً ففزعت منه‏.‏مدينة مشهورة بديار بكر كانت بها بيعة من عهد المسيح عليه السلام وبقي حائطها إلى وقتنا هذا‏.‏

حكي أن ولاية هذه البلاد كانت لرجل حكيم اسمه مروثا من قبل قسطنطين الملك صاحب رومية الكبرى فمرضت لشابور ذي الأكتاف بنت وعجز أطباء الفرس عن علاجها فأشار بعض أصحابه باستدعاء مروثا لعلاجها‏.‏

فبعث إلى قسطنطين يسأله فبعثه إليه فعالجها مروثا ففرح بذلك شابور وقال له‏:‏ سل حاجتك‏!‏ فسأل مروثا الهدنة بينه وبين قسطنطين فأجابه إلى لك وكان يجري بينهما محاربات شديدة ولما أراد الانصراف قال له شابور‏:‏ سل حاجة أخرى‏!‏ فقال‏:‏ إنك قتلت خلقاً كثيراً من النصارى فأسألك أن تأمر بجمع عظامهم لي‏!‏ فأمر له بذلك فجمعوا من عظام النصارى شيئاً كثيراً فأخذها معه إلى بلاده وأخبر قسطنطين بالهدنة وجمع العظام فسر بذلك وقال له‏:‏ سل حاجتك‏!‏ فقال‏:‏ أريد أن يساعدني الملك على بناء موضع في بلادي‏.‏

فكتب قسطنطين إلى كل من يجاوره المساعدة بالمال والرجال فعاد إلى مكانه وبنى مدينة عظيمة وجعل في وسط حائط سورها عظام شهداء النصارى التي جمعها من بلاد الفرس وسمى المدينة مدور صالا معناه مدينة الشهداء واختار لبنائها وقتاً صالحاً لا تؤخذ عنوة وجعل لها ثمانية أبواب‏:‏ منها باب يسمى باب الشهوة له خاصية في هيجان الشهوة أو إزالتها لم يتحقق عند الناقل ولا ان هذه الخاصية للدخول أو الخروج‏.‏

وباب آخر يسمى باب الفرح والغم بصورتين منقوشتين على الحجر‏.‏

أما صورة الفرح فرجل يلعب بيده وأما صورة الغم فرجل قائم على رأسه صخرة فلا يرى بميافارقين مغموم إلا نادراً‏.‏

وفي برج يعرف ببرج علي بن وهب في الركن الغربي القبلي في أعلاه صليب منقور كبير يقال إنه يقابل البيت المقدس وعلى بيعة قمامة بالبيت المقدس صليب مثله قيل إن صانعهما واحد وبنى بيعة في وسط البلد على اسم بطرس وبولس وهي باقية إلى زماننا في المحلة المعروفة بزقاق اليهود فيها جرن من رخام أسود فيه منطقة الزجاج فيها دم يوشع بن نون عليه السلام وهو شفاء من كل داء وإذا طلي به البرص أزاله قيل‏:‏ ان مروثا جاء به من رومية الكبرى أعطاه إياه قسطنطين عند عوده‏.‏

 هرقلة

مدينة عظيمة بالروم كرسي ملك القياصرة بناها هرقل أحد القياصرة‏.‏

غزاها الرشيد سنة إحدى وتسعين ومائة‏.‏

نزل عليها يحاصرها فإذا رجل خرج من أهلها شاكي السلاح ونادى‏:‏ يا معشر العرب ليخرج منكم العشرة والعشرون مبارزة‏!‏ فلم يخرج إليه أحد لأنهم انتظروا إذن الرشيد وكان الرشيد نائماً فعاد الرومي إلى حصنه فلما أخبر الرشيد بذلك تأسف ولام فلما كان الغد خرج الفارس وأعاد القول فقال الرشيد‏:‏ من له فابتدر جلة القواد وكان عند الرشيد مخلد بن الحسين وإبراهيم الفزاري قالا‏:‏ يا أمير المؤمنين إن قوادك مشهورون بالبأس والنجدة ومن قتل منهم هذا العلج لم يكن فعلاً كبيراً وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر كبيرة فإن رأى الأمير أن يأذن لنا حتى نختار له رجلاً فعل‏.‏

فاستصوب الرشيد ذلك فأشاروا إلى رجل يعرف بابن الجزري وكان من المتطوعة معروف بالتجارب مشهور في الثغور بالنجدة فقال له الرشيد‏:‏ أتخرج إليه فقال‏:‏ نعم وأستعين بالله عليه‏.‏

فأدناه الرشيد وودعه واتبه وخرج معه عشرون من المتطوعة‏.‏

فقال لهم العلج وهو يعدهم واحداً واحداً‏:‏ كان الشرط عشرين وقد ازددتم رجلاً ولكن لا بأس‏!‏ فنادوه‏:‏ ليس يخرج إليك إلا واحد‏.‏

فلما فصل منهم ابن الجزري تأمله العلج وقال له‏:‏ أتصدقني فيما أسألك قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ بالله أنت ابن الجزري قال‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ملأ كفؤ‏!‏ ثم أخذا في شأنهما حتى طال الأمر بينهما وكاد الفرسان ينفقان تحتهما وزجا برمحيهما وانتضيا بسيفيهما وقد اشتد الحر فلما أيس كل واحد منهما عن الظفر بصاحبه ولى ابن الجزري فدخل المسلمين كآبة وغطغط الكفار فاتبعه العلج فتمكن ابن الجزري منه فرماه بوهق واستلبه عن ظهر فرسه ثم عطف عليه فما وصل إلى الأرض حتى فارقه رأسه فكبر المسلمون تكبيراً وانخذل المشركون وبادروا إلى الحصن وأغلقوا الأبواب فصبت الأموال على ابن الجزري فلم يقبل منها شيئاً وسأل أن يعفى ويترك بمكانه‏.‏

وأقام الرشيد عليها حتى استخلصها وسبى أهلها وخربها وبعث فيسقوس الجزية عن رأسه أربعة دنانير وعن كل واحد من البطارقة دينارين‏.‏